كان المدرسون في السابق يتعاملون مع المتعلميين على أنهم مجموعة واحدة متجانسة، سواء من حيث مستوى الذكاء أو وتيرة التعلم. وقد أدى هذا النهج إلى إضاعة فرص التعلم واضعاف مستوى المتعلميين الذين يعانون من صعوبات في التعلم. وقد أثبت هذا الأسلوب التعليمي فشله في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وتقليل ظاهرة الفشل الدراسي والهدر المدرسي.
في العصر الحديث، ونتيجة لتطور مختلف العلوم ذات الصلة بالتربية والتعليم، والتي أظهرت اختلافات في وتيرة تعلم الطلاب.
|
البيداغوجيا الفارقية ، و كيف يمكن تطبيقها في الفصول الدراسية |
أصبح التفكير في استراتيجيات تربوية تعليمية تأخذ بعين الاعتبار وجود فروق فردية بين المتعلمين ضرورة تربوية وإنسانية. وفي هذا السياق، تأسست البيداغوجيا الفارقية (Differentiated Pedagogy) بهدف تحقيق دمقراطية التعليم وتوفير تكافؤ الفرص بين المتعلمين، واعتمادًا على خصوصيات كل تلميذ أو مجموعة من التلاميذ، مساعدة كل تلميذ على تجاوز صعوباته وتحقيق النجاح المرجو.
ما هي البيداغوجية الفارقية ؟
يعود أصل مفهوم البيداغوجيا الفارقية إلى المربي الفرنسي لويس لوغران الذي استخدم هذا المفهوم لأول مرة عام 1973 في إطار البحث عن آليات جديدة لتطوير التعليم ومحاربة ظاهرة الفشل المدرسي. ويمكن تعريف البيداغوجيا الفارقية بأنها مقاربة تربوية تستخدم مجموعة متنوعة من الوسائل التعليمية والتعلمية لمساعدة الأطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكيات والمنتمين إلى نفس الصف على الوصول إلى نفس الأهداف، عن طريق تكييف عملية التعليم والتعلم حسب خصوصياتهم، وبالتالي جعل كل فرد داخل الفصل يحقق الأهداف المحددة له. ويتميز هذا المفهوم بمبدأ تنويع الطرق والوسائل التعليمية التعلمية لتناسب احتياجات المتعلمين الفردية.
تعريف البيداغوجيا الفارقية
يمكن وصف البيداغوجيا الفارقية بأنها مقاربة تربوية تتميز بتنوع الأنشطة التعليمية والإيقاعات المتبعة، حيث تستند إلى الفروق والاختلافات التي يظهرها المتعلمون في سياق التعلم. ويمكن أن تتضمن هذه الفروق الاختلافات المعرفية، الوجدانية، والثقافية والاجتماعية. وبهذا النحو، تشكل البيداغوجيا الفارقية إطارًا تربويًا مرنًا وقابلًا للتغيير حسب خصوصيات كل متعلم ومتعلمة ومواصفاتهم الفردية.
الأصول النظرية للبيداغوجيا الفارقية
رغم أن البيداغوجيا الفارقية كانت تستخدم في المدارس التقليدية، التي تضم تلاميذ من مختلف المستويات التعليمية والعمرية، إلا أنها لم تحصل على قاعدة نظرية قوية حتى القرن العشرين. وقد قدم لوكران louis legrand هذا المفهوم في السبعينيات كحل لمشكلة الفشل الدراسي، ومنذ ذلك الحين تم تطوير الأصول النظرية للبيداغوجيا الفارقية.
يمكن تلخيص أهم الأصول النظرية للبيداغوجيا الفارقية فيما يلي:
علم النفس البناءي:
علم النفس البنائي، الذي تطور بشكل خاص مع جان بياجي، يعتبر أن عملية نمو الطفل تتألف من عدة مراحل تكشف أن القدرات الذهنية للطفل تتطور تدريجياً وبشكل كامن، وقد يحدث تراجع في بعض الحالات. وهذا يعني أن التطور لا يتم بشكل كرونولوجي وفقًا للسنوات، وإنما يتم بناءً على وتيرة الطفل وإيقاعه الخاص، ويتأثر بمتغيرات داخلية مثل تطور الذات وإدراك الطفل لنفسه، وبمتغيرات خارجية مثل السياق الاجتماعي الذي يحيط به. وبالتالي، فإن الاعتماد على الفئة العمرية كمعيار لتوزيع التلاميذ وتنظيم الفصول الدراسية لا يستطيع تحقيق الاحتياجات الخاصة لكل تلميذ بشكل كاف.
بيداغوجيا التمكن:
بيداغوجيا التمكن ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية بيداغوجيا اسهمت في تعزيز تحصيل التلاميذ من خلال مراعاة فروقاتهم الفردية والاهتمام بخصوصياتهم، وتعتمد على تحقيق الأهداف النهائية للجميع وتصحيح التباينات الموجودة بين التلاميذ على مختلف المستويات. وتعتبر بيداغوجية فرينيه والبيداغوجيا الفارقية من البيداغوجيات الجديدة التي تضع الطفل في مركز العملية التعليمية وتأخذ في الاعتبار رغباته وخصوصياته، وتسعى إلى تشجيع التعلم الحر والتواصل الفعال والحياة الجماعية في المدرسة. كما أن البيداغوجيا الفارقية ترتكز على مفهوم مؤسسات ملائمة واحترام الحياة المدرسية وتشجيع النقاش والمبادرات الكلامية.
أسس البيداغوجية الفارقية
فوارق معرفية:
تعتمد البيداغوجيا الفارقية على فكرة وجود تباينات فردية بين المتعلمين، والتي تظهر في اختلافاتهم في اكتساب المعارف المفروضة من المؤسسة التعليمية، وتشكل هذه التباينات تمثيلاتهم العقلية ومراحل تطورهم العملي وطرق تفكيرهم واستراتيجيات التعلم لديهم. وتهدف البيداغوجيا الفارقية إلى تحسين النتائج التعليمية لجميع المتعلمين من خلال معالجة هذه التباينات بشكل فردي وتلبية الاحتياجات التعليمية الخاصة لكل متعلم.
فوراق سوسيو ثقافية: تتضمن الفروق السوسيو-ثقافية التباينات في القيم والمعتقدات وتاريخ الأسر واللغة وأنماط التنشئة الاجتماعية والمستوى المعيشي والخصوصيات الثقافية.
فوارق سيكولوجية: تتمثل الفروق السيكولوجية بصعوبات التعلم واختلاف معدلات التعلم بين التلاميذ، وفي أنماط التفكير والاستراتيجيات الذهنية التي يستخدمونها، وفي مستويات الذكاء والذكاءات المتعددة التي يتمتعون بها، وفي الطريقة التي يتعاملون بها مع المعلومات والمواد الدراسية، وفي نمط حفظهم وتذكرهم للمعلومات، وفي مدى تحملهم للإجهاد والضغط النفسي أثناء الدراسة، وفي مستويات الثقة بالنفس والشعور بالانتماء للمجتمع الدراسي، وفي الاهتمامات والاهتمامات المهنية والشخصية والاجتماعية.
خصائص البيداغوجيا الفارقية :
تعتمد البيداغوجيا الفارقية على مبدأ التنوع والمرونة في التعليم، وتتميز بالتالي بعدة خصائص، منها: التمييز بين المتعلمين وتحديد احتياجات كل منهم، واستخدام أساليب وأدوات علمية دقيقة لتحديد الأسلوب التعليمي المناسب، والاعتراف بشخصية المتعلم وتمثيلاته وتصوراته، واقتراح مجموعة من المسارات التعليمية المناسبة لقدرات المتعلمين، ومسايرة عمل المتعلم من خلال تقديم التغذية الراجعة المناسبة، كما تتبع بيداغوجيا الفارقية طرق وتقنيات مختلفة في التعليم، وتقدم نفس الدرس بأساليب متعددة لتحقيق الهدف التربوي، وتعتمد على الخصائص المحلية والبيئية لكل متعلم في تصميم أساليب التعليم المناسبة.
غايات و وأهداف البيداغوجيا الفارقية
يهدف تطبيق البيداغوجيا الفارقية إلى تحقيق العديد من الأهداف، من أبرزها:
• الكشف عن قدرات ومهارات كل متعلم وتطويرها بشكل فردي.
• الأخذ بعين الاعتبار شخصية المتعلم في كل جوانبها المعرفية، الوجدانية والاجتماعية.
• تحفيز الطلبة على التعلم وزيادة دافعيتهم للإنجاز.
• الحد من ظاهرة الفشل الدراسي وتقليل ظاهرة الهدر المدرسي.
• تقليل الفوارق الفردية بين المتعلمين وتحقيق مبدأ المساواة.
• تحسين العلاقة بين المدرس والطالب، وخلق بيئة تعليمية إيجابية تشجع على التعلم والإنجاز.
• تعزيز روح التعاون بين الطلاب وتدريبهم على التواصل الاجتماعي وتقبل الاختلاف.
• تعليم الطلاب المهارات الأساسية وتأهيلهم لتوظيفها في حياتهم العامة.
• تطوير نوعية المخرجات وتحسين جودة التعليم.
• تشجيع التعلم الذاتي وتمكين الطالب من المشاركة في بناء المعرفة.
• تنمية الانفعالات الإيجابية كالثقة والأمان واللذة، وتعزيز الدافعية للتعلم وتسهيل معالجة وتخزين المعلومات.
• تجنب سلوكيات غير مرغوب فيها داخل الفصل مثل الشغب والعنف والتي تؤثر على سير الدرس
توظيف البيداغوجيا الفارقية في الفصول الدراسية
مستويات التفريق البيداغوجي
يجب على المعلم في إطار البيداغوجيا الفارقية أن يتبنى مجموعة من الإستراتيجيات والتقنيات التي تتيح له تكييف عملية التعلم وفقاً لاحتياجات واختلافات الطلاب على مختلف المستويات، منها تفريق المحتويات العلمية المقدمة للطلاب لتتناسب مع قدراتهم الإدراكية ومعدلات التقدم الدراسي الخاص بهم. ومن أمثلة ذلك، يمكن للمعلم اختيار نص قرائي أكثر سهولة للطلاب الذين يعانون من صعوبات في القراءة، في حين يمكن اختيار نص أكثر تحدياً للطلاب المتقدمين.
يجب أن يكون هدف المعلم من تفريق المحتوى العلمي هو تحقيق الكفايات الأساسية المنشودة لدى الطلاب، وعليه يجب أن يبقى التركيز على تحقيق الأهداف المعرفية المحددة في المناهج الدراسية. كما يمكن للمعلم إدراج المزيد من المواد والمصادر التعليمية التي تتناسب مع احتياجات الطلاب وتحقق لهم أفضل النتائج.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمعلم أن يتعامل مع الكتب المدرسية بشكل مرن ويستخدمها كأداة فقط لتحقيق أهداف التعلم ويقوم بإضافة وتعديل المحتوى العلمي ليتناسب مع احتياجات الطلاب ويعزز تحقيق الكفايات المحددة في المناهج الدراسية
التفريق عن طريق الأدوات و الوسائل التعليمية
تلعب الوسائل التعليمية دورًا أساسيًا في عملية التعلم، حيث تساعد في تقريب المفاهيم وتعزيز الفهم والاستيعاب، كما تسهم في جعل عملية التعلم ممتعة ومثيرة. وبما أن الطلاب يختلفون في أساليب التعلم التي يفضلونها، فإن الأساليب التعليمية يجب أن تتنوع لتناسب احتياجات كل طالب، فمنهم من يتفوقون بالشرح اللفظي، ومنهم من يحتاجون للإدراك البصري، وآخرون يحتاجون للتجربة العملية.
ومن هنا، يتحمل المدرس المسؤولية عن تنويع الوسائل التعليمية لتلائم الأساليب التعليمية المختلفة للطلاب، وذلك لتحسين مستواهم الدراسي وتحقيق أفضل نتائج التعلم.
التفريق على مستوى تنظيم العمل المدرسي:
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتطلب العمل التربوي الفارقي إعادة تنظيم الفصل الدراسي بحيث يعمل المدرس مع مجموعة كبيرة أو صغيرة أو حتى العمل الفردي، بحسب حاجات الطلاب واحتياجاتهم الخاصة.
التفريق على مستوى التدبير الزمني:
إن توزيع الوقت في العملية التعليمية يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الأهداف التعليمية وتعزيز فاعلية التعلم. وبما أن المتعلمين يختلفون في وتيرة استيعابهم للمعارف الجديدة وفق مؤهلاتهم ومكوناتهم الفردية، يجب على المدرس توزيع الوقت اليومي والأسبوعي بشكل مرن ومتناغم مع مشروعه البيداغوجي، وتحديد الأولويات والاهتمام بتحقيق الكفايات المنشودة لدى المتعلمين. فالوقت لا يجب أن يكون عائقًا في تحقيق هذه الأهداف التعليمية المهمة.
شروط تطبيق البيداغوجيا الفارقية :
تحفيز البيداغوجيا الفارقية وتطبيقها في الحقل التربوي ليس مهمة سهلة، بل تتطلب العديد من الإجراءات، ومن بينها:
1- مكافحة ظاهرة الازدحام التي تتعارض مع مبادئ البيداغوجيا الفارقية.
2- تخطيط جداول الأوقات بشكل مرن يتناسب مع هذا النهج، لأن الجداول الزمنية التقليدية تعوق العملية التعليمية وتحصرها في وقت محدد، في حين تتطلب البيداغوجيا الفارقية تخصيص وقت كافٍ للطلاب الذين يواجهون صعوبات لكي يتعلموا المهارات الأساسية.
3- توفير الموارد التعليمية والفصول الدراسية اللازمة.
4- تمكين المدرس من الحرية والاستقلالية الكافية للتخطيط والتحضير للدرس بطريقة تتوافق مع متطلبات البيداغوجيا الفارقية، وتخفيض عدد ساعات التدريس في الأسبوع بحيث يتمكن المدرس من التركيز على هذه الطريقة التعليمية.
5- إعادة النظر في التدريب الأساسي والمستمر للمدرسين حتى يتمكنوا من توجيه الطلاب وتحفيزهم بدلاً من مجرد نقل المعرفة إليهم.
6- تخفيف كثافة المناهج الدراسية حتى يتمكن المدرس من تكييف العملية التعليمية التعلمية مع قدرة الطلاب على استيعاب المعرفة ووتيرة تعلمهم.
7- استخدام تكنولوجيا .التعليم والأجهزة الذكية والموارد
طرق التفريق البيداغوجي
فارقيات مسارات التعلم
تعني تعديل المسار الدراسي وفق متطلبات واحتياجات المتعلمين المختلفة، مثل إضافة موضوعات جديدة، أو إبراز جوانب معينة من المحتوى، أو تبسيط المفاهيم الصعبة لبعض الطلاب.
فارقية العملية التعليمية: تهدف إلى تحقيق التفريد في الممارسة التعليمية، حيث يتم تطبيق أساليب تعليمية مختلفة لمختلف الطلاب وفقًا لمستواهم، مثل استخدام الأنشطة الجماعية والفردية والمشروعات البحثية والمحاضرات المرئية والمسموعة والتدريبات التطبيقية.
فارقية الأنشطة و الأدوات التعليمية:
يتم توزيع التلاميذ على عدة مجموعات تعمل كل واحدة منها على نفس المضمون ولكن بواسطة أنشطة وأدوات تعليمية مختلفة ، تتناسب مع خصوصيات كل مجموعة من التلاميذ، مثل الطرق الحركية و اللغوية و الاجتماعية و الفكرية. و يتم تحديد الأنشطة و الأدوات التعليمية المناسبة لكل مجموعة بناء على التشخيص الدقيق لمقومات التعلم والتحصيل الدراسي والاهتمامات والميول الفردية لكل متعلم.
فارقية البنيات:
يمكن أن تتم مزج الأساليب المختلفة في تطبيق البيداغوجيا الفارقية في العملية التعليمية لتحقيق أفضل النتائج، وذلك بتوفير مسارات ومضامين وأنشطة وأدوات تعليمية متنوعة وملائمة لخصوصيات تفاعلات الطلاب مع بعضهم البعض ومع المنشطين لها أهمية كبيرة في البيداغوجيا الفارقية، حيث يمكن لهذه الفارقية في البنيات أن تساعد في إثراء هذه التفاعلات وزيادة انخراط الطلاب في العملية التعليمية. على سبيل المثال، يمكن تخصيص مهام مختلفة للمجموعات المختلفة وتشجيع المنافسة البناءة بينهم، كما يمكن توظيف المنشطين بشكل مختلف في كل مجموعة لتناسب احتياجاتها وخصوصياتها.
ومن المهم أن نلاحظ أن فارقية البنيات لا تعني بالضرورة فارقية الأهداف التعليمية أو المحتوى، بل تتعلق بالطريقة التي يتم بها تنظيم العملية التعليمية وتقسيم الطلاب. لذلك يمكن أن تتم معالجة هذه الفارقية عن طريق استخدام تقنيات تفاعلية مختلفة مثل التعلم التعاوني والمشروعات التعليمية المشتركة، التي تعزز التفاعل والتعاون بين الطلاب في بيئة تعليمية متنوعة وفارقةبين المتعلمين، مع الاهتمام بمراقبة وتقييم عملية التعليم وتأثيرها على تحصيل ونجاح المتعلمين.
صعوبات تطبيق البيداغوجية الفارقية
تواجه البيداغوجيا الفارقية عدة تحديات تجعل تطبيقها صعباً، منها:
1- نقص التدريب البيداغوجي للمعلمين الذي يجعلهم غير مؤهلين للمشاركة الفعالة في عملية التعليم المتكيف مع احتياجات كل تلميذ.
2- رسمية ووحدة المسار البيداغوجي المفروض يمكن أن تقيد تنوع الطرق التي يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف التعليمية. 3- صعوبة تغيير المعطيات البيداغوجية القديمة بسبب الالتزام بالطرق التقليدية وعدم الرغبة في التحول إلى النهج الجديد والمرن.
4- الامتحانات الرسمية التي تستخدم معايير صارمة ومقاييس ثابتة، وتعتمد على القياس والتصنيف، دون مراعاة اختلافات مستويات المعرفة والفهم لدى التلاميذ.
5- الاعتماد على ممارسات تعليمية كلاسيكية سريعة، التي تخلو من الاهتمام بالتنوع وتستهدف الطلاب ذوي الفهم السريع.